الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .. أما بعد ,,, لقد أنزل الله سبحانه وتعالى كتابه العظيم على رسوله صلى الله عليه وسلم وهو أعظم منة وأعظم نعمة تستوجب الشكر وقد أنزل الله سبحانه وتعالى في هذا الكتاب من الآيات والعبر والدلائل , وأنزل الله سبحانه وتعالى فيه من التوجيه والنصح والإرشاد ما يطهر الله سبحانه وتعالى به القلوب من الشوائب من شائبة الهوى ويطهر الله سبحانه وتعالى العقول مما يكدرها من أنواع المشارب والأدواء التى ينتج عنها من الآراء الفاسدة وينتج عنها أيضا من الشهوات ما يفسد عليها عقيدته , ومن أعظم ما أنزله الله عز وجل في القرآن سورة عظيمة فيها من المعاني والعبر وفيها من التوجيه والنصح ما يعجز الانسان عن الإسهاب فيه والكلام في معانيه وتأمل ما تتضمنه تلك السورة من حكم وأوامر ونصح وهذه السورة هي سورة (العصر) سورة العصر هي سورة عظيمة فيها من النصح وفيها من التوجيه وفيها من بيان الأحكام وفيها من تنبيه الإنسان وإيقاظ عقله وقلبه وتنبيه إلى رشده ما يستيقظ منها الغافل لو تدبر وتأمل هذه السورة التى يقول فيها الإمام الشافعي رحمه الله ( لو ما أنزل على أمة محمد إلا هذه السورة لكفتهم (يعني سورة العصر )), وهذه السورة فيها من المعاني العظيمة التى يتوقف الإنسان فيها حائراً مما تضمنته مع قصرها فهي من قصار السور ولكنها من عظائم معانيه ... يقول الله سبحانه وتعالى في هذه السورة ( والعصر إن الإنسان لفي خسر ) أقسم الله عز وجل بالعصر وهو الزمن ولا يقسم الله إلا بعظيم والله سبحانه يقسم بما شاء ... والناس لا يقسمون إلا بالله إذ لا عظيم إلا هو جل وعلا ...العصر الذى أقسم الهه سبحانه وتعالى في هذه السورة قيل أن المراد بذلك هو عجلة الزمن من الساعات والدقائق وكذلك أيضا من الأيام وكذلك الأسابيع والشهور والدهوروغير ذلك من الأزمنة التى تدور على الإنسان فيقول الناس وغير ذلك من الأزمنة كلها يطلق عليها عصر ( عصرنا الحاضر والعصر القادم وغير ذلك ) ,ومن العلماء من يقول العصر هنا هو آخر النهار دلالة وإرشاد إلى زمن نهاية عمل الإنسان , أقسم الله عز وجل بنهاية عمل الإنسان وكده وكدحه ويتوقف في آخره أنه إلى خسارة , زمن النتائج وزمن التحصيل يكون في نهاية العمل حيث يقوم الإنسان بالمحاسبة و التفكر والتأمل بما وصل إليه مكن نتيجة وآخر نتيجة النهار تكون في عصره ولهذا أقسم الله عز وج) ل بقوله ( والعصر إن الإنسان لفي خسروأما على المعنى الأول وهو القسم بالزمن على سبيل العموم إشارة إلى أن الإنسان عجلة الزمن كلما نقص منه أيام نقص بعضه وفي الحديث (نعمتان مغبون فيه كثير من الناس) فالذي يبيع السلعة بسعر بخس وهو لا يعرف قيمتها , فالغبن الذى يطرأ على الإنسان مثل بيع الغبن وهو باطل كالشخص الذى يبيع قطعة من الذهب وهو لا يعلم قيمتها لكن الشخص الذى اشتراها يعلم قيمتها فالبائع مغبون والبيع باطل , لهذا ربما يكون بين يدى الإنسان شيء عظيم ويفرط فيه وهو أعظم الناس غبنا ... يوسف عليه السلام من أنبياء الله عز وجل قال عنه (وشروه بثمن بخس ) لأنهم جهلوا حقيقته , إذا جهل الإنسان ما بين يديه لا يسقط حقيقته وقيمته برغم تفريط الناس فيه وتداولهم إياه بغير ذي قيمة , لهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ) يعنى لا يقيمون هذين الشيئين حق قيمتها التى وضعها الله سبحان وتعالى فيهما , الزمن مغبون فيه لأنها عجلة تمضى ما مضى منه لا يعود ,,, ويخادع الإنسان نفسه أنه كلما مر زمن أنه يكبر وفي الحقيقة أنه ينقص ( قيمته في الحياة بدأت تضعف ) وهو يقرب من أجله ... ومن در الشيخ حفظه الله في تفسيره للعصر :- 1) كلام الله سبحانه وتعالى مجامع ويحمل الوجوه المتعددة وهذا من وجوه الإعجاز فالقسم ( يريد به آخر اليوم ) ويريد به ( العجلة الزمنية الكاملة ) .... 2) ( والعصر ) أى في نهاية الزمن نهاية نهار الإنسان وعمله ... (إن الإنسان لفي خسر ) اقسم الخالق جل وعلا الذي خلق الزمن وأداره ووضع الإنسان فيه أن الإنسان في خسارة 3) ( إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات ) الإنسان في خسارة هي خسارة كلية في عدد الناس وجزئية من جهة الإنسان في اغتنامه للوقت , ومن الناس من يعمل المفضول ويترك الفاضل كالذى يضارب بالفضة وبإمكانه أن يضارب بالذهب ... 4) المستثنى في لغة العرب دائماً أقل من المستثنى منه في إشارة إلى أن الخاسرين أكثر والرابحين قليل 5) ذكر الله سبحانه وتعالى الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر أى أن التواصي بالحق والصبر توابع الإيمان والعمل الصالح 6) الله جل وعلا ذكر العمل مع الإيمان ... فكثير من الناس مع تقصيره يشير إلى قلبه ويقول ( التقوى ها هنا ) لكن التقوى تزول بلا عمل وإن بيت يوم أو يومين فإنها تزول ... هل يمكن الإنسان أن يأتى إلى شجر أخضر مثمر ويقول قلب هذا الشجر ميت ... لا يمكن ... لذلك المنافق مذبذب لا يصبر .... سرعان ما يخرج لطبيعته 7) من أعظم أبواب الضلال الفصل بين قناعة الباطن وعمل الظاهر 8) القناعة الباطنية موجودة حتى عند إبليس وعند فرعون ولكنهم يحجبونها كبرا وعنادا ولهذا قال الله ( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ) كما كانت نفس القناعة الباطنية موجودة عند قريش يقول الله عز وجل (فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون) 9) قال فرعون في غرقه ( أمنت أنه لا إله إلا الذى ءامنت به بنوا اسرائيل ) وكان بينه وبين الكفر (أنا ربكم الأعلى ) دقائق لأنه كان مصر على قتل موسى فرفع الله الهوى والغبن عنه بنزول البلاء 10) قول الله عز وجل ( إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات ) فلابد للعمل ولا يتكل على العمل الباطن, ولهذا كان يقول النبي عليه الصلاة والسلام في مبايعته (العهد الذى بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ) 11) ما من أحد يكتفي بولاء غيره له قلبيا حتى يظهر ذلك له عملا فكيف يريد الإنسان من الله عز وجل أن يرضى بمخالفته ظاهراً وموافقته باطنا . 12) الله سبحانه وتعالى كفى الإنسان اختيار العمل وجعل الأمر إليه ( اليوم أكملت لكم دينكم ) البداية من الله والكمال منه سبحانه , فقد أغلق الله سبحانه الباب على أى أحد يزيد في دين الله ما ليس فيه 13) المؤثرات الثلاثة التى تعترض الإنسان فيلزم معها تواصي بالحق وتواصي بالصبر هي : النفس الأمارة بالسوء وشياطين الإنس وشياطين الجن 14) التواصى يلزمه الجماعة فقطعة الثلج المنفردة تذوب أسرع من قطع الثلج المتجاورة 15) كلما اجتمعت الأمة كان أعظم على ديمومة الحق (صلاة الرجل إلى الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاة الثلاثة أزكى من صلاة الرجلين) ... (فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ) 16) الإنسان في أثاث بيته الظاهر يأتى إلى طاولة يجد عليها تراب بعد أن كانت نظيفة لأنها تحتاج إلى شيء من المعاهدة , كذلك القلوب والعقول والأنفس بحاجة إلى استدامة الغرس حتى يثبت الحق 17) الناس يكمل بعضهم بعضا في باب الإصلاح فالتواصى لابد له من طرف آخر يُعين , فهذا منضبط في الشهوات ومفرط في المال الحرام والآخر منضبط في الأموال ومفرط في الشهوات وهكذا ... حيث قلما يتوافق الناس في جانب الشهوات ... كل ٌ يغلق المنفذ الحرام عند صاحبه بدائرة المبادلة ... 18) (وتواصوا بالصبر) : حتى لا يقع الملل ولهذا قد جاء في الحديث ( أحب العمل إلى الله أدومها وإن قل) ;لأن الشيء القليل الدائم من الخير أفضل من الكثير المنقطع , فالشجرة إذا أقطرت عليها على مدى سنوات أنفع من لو أفرغت عليها خزان ماء ذات يوم وتركتها.... 19) دوام العمل الصالح من المطالب الشرعية ولهذا جاءت الشريعة بالتدرج في العمل الصالح لأن الإنسان إذا أخذ الأمر بكماله من أول مرة نزل مرتبة .... وقد خلق الله عز وجل الناس أطوارا كذلك لابد أن يكون العمل أطوارا ... 20) ومن دواعي التصبير والتثبيت على عمل الخير والثبات على الحق ذكر الثواب والعقاب منها مُرغبات ومنها مُرهبات ... لأن للنفس نزوات ورغبات تميل للراحة والدعة ... 21) مجالس الذكر من أعظم ما يعين الإنسان على التواصى بالحق , ومن أعظم الندامة أن يصل الإنسان الخير أو يُوفَّق إلى العلم ثم يعرض عن الله , ولهذا الصاحبان الذين ذكرهما الله في كتابه في النار ( لقد أضلنى عن الذكر بعد إذ جاءني).... اللهم اجعلنا من الذين امنوا , الذين عملوا الصالحات واجعلنا ممن يتواصوا بالحق ويتواصوا بالصبر إنك ولي ذلك وأنت القادر عليه وصلّ اللهم وسلم على محمد وآله ...